يُعتبر استقبال وتنقل الأموال الضخمة وأصحابها للدول ذا دلالات إيجابية بكل المعايير الاقتصادية والاستثمارية والتشريعية، والأهم وعلى رأس القائمة الاستقرار السياسي لهذه الدول المستهدفة، وكما يقال ويردد دائماً إن رأس المال جبان.
وفي تقرير صدر مؤخراً لشركة الاستشارات البريطانية (هينلي وشركاه) توقعت أن يتدفق ٣٠٠ مليونير للمملكة من الأثرياء المغتربين من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. وأضاف التقرير أن العاصمة الرياض ومدينة جدة تحظيان بشعبية قوية لدى أصحاب الثروات الضخمة وتتمتعان بعوامل جذب قوية لدى هؤلاء الأثرياء الأجانب، وهذا -بلا شك- يأتي ليؤكد فعالية ونجاح خطط الرؤية السعودية في تحديث منظومة الاستثمار المتنوع في المملكة، إضافة إلى الانفتاح الاقتصادي والاجتماعي والقضائي الذي دفع أصحاب هذه المليارات للتوجه للمملكة، والذي -بلا شك- سوف يكون دافعاً قوياً للاقتصاد الكلي؛ لأن هذه الثروات سوف تسعى للدخول في مجالات اقتصادية عدة مثل القطاع العقاري وقطاع الأسهم، وأعتقد أن القطاع السياحي يعد أحد القطاعات الواعدة للاستثمار الأجنبي في بناء الفنادق والمنتجعات في مناطق عدة في المملكة، دول صغيرة شهدت قبل عقود دخول الأثرياء في اقتصادياتها وأصبحت مدناً ودولاً عالمية، واقتصادياتها جزءٌ من الاقتصاد العالمي، المملكة لديها ميزات إضافية عديدة في هذا المجال؛ سواء على مستوى البنية التحتية في العديد من القطاعات التي بعضها -مثلاً- يحتاج إلى تطوير وتجديد قوي ومتطور كمنظومة النقل مثلاً كالمطارات والطرق وشبكة السكك الحديدة.
في هجرة وتنقل الأثرياء بالعالم -كما أشار التقرير- هناك العديد من الدول والمناطق المستهدفة كمنطقة الخليج وسنغافورة وكندا، وفي المقابل تفقد بعض الدول هذه الثروات كما حال الصين التي يقول التقرير إنه سوف يغادرها ١٥ ألف مليونير، وبريطانيا حوالى ٩٢٠٠ مليونير، هذه الحركة للثروات نتيجة الصراعات الجو-سياسة في بعض مناطق العالم والتحول في المشهد العالمي من حيث القوة.
هناك صراع قوي بين دول العالم والمنطقة في جذب أصحاب الثروات لها والذين يبحثون عن سهولة تأثيرات إقامة مميزة ونمط حياة فاخر ومستوى تعليم ورعاية صحية متقدم جداً، هذه العوامل وغيرها سوف تكون لها الأفضلية بالخيارات بين الدول والمدن في العالم لهذه الفئة وأموالها التريليونة، البعض يتخوف من هذه الأموال المتدفقة التي تدخل بسرعة وتخرج بهذا الشكل، ولكن باعتقادي أن الاقتصاديات الذكية سوف تعمل على إدخال هذه الأموال في دوراتها الاقتصادية وتغري أصحابها في الاستثمار فيها ومضاعفة أموالهم، أما مسألة زيادة نسب التضخم والتخوف منها بسبب هذه الأموال الضخمة فأعتقد أنها غير دقيقة، فطبيعة الاقتصاديات المحلية هي الزيادة في الأسعار محلياً وعالمياً وبنسب مختلفة، وقد تكون عملية خفض الضرائب على هذه الثروات من عوامل الجذب التي تقدمها بعض الدول ذات الاقتصادات الناشئة كما حال الاقتصاد في المملكة والبرازيل وجنوب أفريقيا مثلاً.