فيما انتقد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية التجاهل الإعلامي لما وصفه بأسوأ أزمة في العالم وأكثرها تعقيداً وشدة في السودان، حذر مسؤولان أوروبيان بقولهما لـ«عكاظ»، من أن الأسوأ لم يأت بعد، مطالبين بضرورة وقف كارثة النزوح. ولفت المسؤولان إلى أنه مع وجود زهاء تسعة ملايين نازح في الداخل، نصفهم من الأطفال، وما يقرب من مليوني لاجئ في الخارج، فإن ما يجري في السودان يُعتبر أكبر أزمة نزوح في العالم.
وكشف مسؤول السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي جوزيب بوريل والمفوض الأوروبي لإدارة الأزمات جانيز لينارتشيتش، أن الأسوأ لا يزال قادماً، إذ أدى القتال إلى تعطيل موسم الزراعة في أكثر المناطق خصوبة.
ولفت المسؤولان الأوروبيان إلى وجود نحو 20 مليون سوداني يواجهون مشكلة انعدام الأمن الغذائي الحاد في بلد كان منتجاً رئيسياً للغذاء. وقالا: في دارفور استؤنفت فظائع الإبادة الجماعية ضد المدنيين على أساس انتمائهم العرقي؛ التي جعلت السودان يتصدر عناوين الصحف في عام 2003، وأكدا حجب المساعدات عمداً ومنع العاملين في المجال الإنساني من الوصول إليها، ما أدى إلى فرار مئات الآلاف إلى دول مجاورة، خصوصاً تشاد وجنوب السودان اللتين تعانيان أصلاً من أزمات إنسانية ومشكلات في الأمن الغذائي، إلا أنهما شددا على أن كل هذه المعاناة التي صنعها الإنسان يمكن وقفها اليوم.
وكشف المسؤولان الأوروبيان عن وجود جهات خارجية تعمل على تأجيج القتال من خلال التزويد بالنقود والأسلحة، إذ توجد دول تسلم الأسلحة إلى القوات المسلحة السودانية، بما في ذلك طائرات دون طيار، وأخرى تملك نفوذاً مباشراً على قوات الدعم السريع، فيما تتعامل دول أخرى مع كلا الجانبين على أمل الوصول إلى البنية التحتية والموارد الاستراتيجية، مستعينة في ذلك بالشركات العسكرية الخاصة التي تجند المرتزقة وتسعى إلى مناجم الذهب وغيرها من المعادن. ولم يستبعدا تحول السودان إلى بوابة لدخول المتاجرين بالبشر والمقاتلين المتطرفين والأسلحة وجميع أنواع التجارة غير المشروعة بين الساحل وشمال أفريقيا وجنوب الصحراء، محذرين من أن أمن أوروبا بات على المحك.
وأوضحا أن موقف الاتحاد الأوروبي ودوله الأعضاء ينحاز في هذا الصراع إلى جانب المدنيين والأمل الذي يضعونه في بلدهم، مؤكدين أنه سيواصل التعامل مع الأطراف المتنازعة انطلاقاً من موقف محايد يضع السلام واحترام حياة المدنيين وحقوقهم في الواجهة. واعتبر بوريل وجانيز أن مؤتمر باريس للمانحين مثّل صرخة جماعية من أجل السلام، كما يجب أن يكون السبيل لاتخاذ إجراءات أكثر شمولاً وتنسيقاً وفعالية من قبل أوروبا وإفريقيا والمجتمع الدولي بشأن السودان.
وشددا على ضرورة تجنب المجاعة التي تهدد السودان ودعم البلدان والمجتمعات التي استقبلت الأشخاص الفارين من جحيم الحرب، مؤكدين على أن المساعدات المتاحة التي تحجبها الأطراف المتنازعة لحسابات سياسية يجب أن تصل إلى المحتاجين أينما كانوا.
وأكد المسؤولان أن مثل هذه الممارسات الحربية تنتهك القانون الدولي وقد تصنف جرائم حرب، وتوقعا من زعيمي الطرفين المتحاربين، الجنرال عبدالفتاح البرهان ومحمد حمدان دقلو (حميدتي) أن يستجيبا لدعوات وقف هذه المذبحة والحضور إلى طاولة المفاوضات، محذرين من أن الفشل في القيام بذلك ستكون له عواقب وخيمة. واعتبرا أن ما يقوم به الاتحاد الأوروبي بشأن السودان ليس عملاً معزولاً، ففي السودان كما هو الحال في أوكرانيا أو في أي مكان آخر لا ينبغي مواجهة التطلعات الديمقراطية بالبنادق. وأضافا أن الشعب السوداني لم يطالب إلا بذلك منذ أن نزل إلى شوارع الخرطوم قبل خمس سنوات، مطالبين بوقف إطلاق النار دون تأخير، والوصول غير المحدود للمساعدات والعودة إلى طريق الانتقال الديمقراطي.