أعلم أن حتى الشياطين قد عادت و(حضرتي) لم أعد، وكأني ذهبت قبل شهر رمضان وقلت لكم (عدُوا لي)، فإذا عديتم فهذا من طيب أصلكم، وإذا لم تعدّوا فأنا أهديكم أغنية هابطة جداً تقول:
(مخصّماك، وأبعد عني أنا مُش طايقاك).
يقولون: «من طوّل الغيّبات جاب الغنايم»، أياً كانت الجهة التي طوّل فيها، وبصراحة لا ينتظر أحداً منكم (غنيمة واحدة) مني لأن والله (ما عندي ما عند جدتي)، فاستقبلوني كما أنا، ولا مانع لدي إذا أردتم أن تهدوني الورود.
في الشهر الكريم تفرغت تماماً لنفسي، وابتعدت عن الكتابة والقراءة أيضاً، حتى أخذ فترة نقاهة كاملة وأعود بعدها كما لو كنت طالبة لتوها تتعلم الحروف الأبجدية وتكتب: (أ، ب، ح) ثم تُصحح لي معلمة اللغة العربية خطئي الشنيع وتُعدله:
(أ، ب، ي).
وفي الواقع كلما حاولنا الابتعاد عن الهَم لاحقنا، فالدنيا تتطور وماشية (لقدام)، وبعض (ربعنا) ماشيين (بالريوس)!
فهل توقفت الناس عن البِدع والخُرافات؟ بالطبع لا، لأن هناك فئة من البشر يحبون التفنُن في ابتداع أمور ما أنزل الله بها من سلطان.
وما دعاني للتطرق لهذه البِدع، اختراع عظيم شاهدته في مقطع فيديو، ومؤكد إنه سوف ينقذ البشرية، ويعالج (المهابيل) والنفسيات وبعض الذين تلبسهم الجّان ثم ندم بعده أشد الندم.
ويسرني أن أخبركم أن هذا الاختراع منتشر الآن في الأسواق يعني (fresh)، وعادةً مثل هذه الاختراعات الغريبة تشتهر وينشط تسويقها في شهر رمضان والأشهر الحُرم.
هذا الاختراع عبارة عن أوراق صغيرة مطبوع عليها القرآن الكريم كاملاً، يشتريه الأشخاص ليرقوا بها أنفسهم، والطريقة كالتالي:
(يبلوها ويشربوا مويتها)! نعم يتم نقعها في الماء ثم تُشرب بنية الرقية الشرعية!
وما زاد الطين بلّة عندما علمت أنهم يسمونها (عزائم) وتُباع (بنكهات) عديدة.
مثلاً إذا أردت أن تُرقي نفسك بالماء والتوت موجود، وإذا لم تكن من محبي التوت فلا تحزن، لأنه يوجد نكهات أخرى مثل: الموز، وعنب، وتفاح، وبطيخ..... إلخ.
يعني باختصار؛ فوضى وعبث قسماً بالله.
وإني أتساءل! كيف يشرب مُسلم، بالغ، عاقل، ماءً مخلوطاً فيه ورق وحبر بنية الرقية الشرعية؟! والله حتى (الجنّي) سوف يُصاب بتسمم من الحبر.
لماذا لا يُكلف على نفسه ويقرأ آيات الرقية في ماء وينفث فيه ويشربه بدون (تهاويل)؟!
هل تعتقدون أننا انتهينا عند هذا الحد؟ لا فهناك أيضاً سجادة صلاة إلكترونية تقرأ بالنيابة عنك، وهناك مسبحة إلكترونية بعداد! مع العلم أن التسبيح على الأصابع أفضل كما أرشدنا النبي عليه الصلاة والسلام.
على كل حال؛ دعوني أعترف لكم أنني أحتسي الآن كوباً من القهوة كما (المُثقفين)، وقد خلطته بحروف هذا المقال المبارك حتى أُرقي نفسي، وقلمي، ومحطاتي، ويصبح مقالاً (مقري عليه).
وبمناسبة عودتي الحميدة؛ من فضلكم لا تجعلوا هذه المقالة تقف عندكم، (جيبولها كرسي).