يمكن القول: إن بالمنطقة العربية الآن تكتلين متضادين متنافرين؛ الأول هو التكتل الغربي، بزعامة الولايات المتحدة (ولنرمز لهذا التحالف بالرمز «س»). أما التكتل الثاني المضاد والمنافس للتكتل «س»، ولنرمز له بالرمز «ص»، فهو يتكون من القوى المناوئة الآن للغرب، والمكافحة للاستعمار، وفي مقدمتها روسيا والصين، وغالبية شعوب المنطقة، ومن يسير في فلكهم. ومعروف، أن التكتل «س» تكتل معادٍ، يعمل لما يحقق ما يعتقد أنه مصالحه. وكثيراً ما تكون هذه الـ(مصالح) لفئات قليلة فيه. ولقد أصبح معروفاً للجميع، أن التكتل «س» يسعى في اتجاه سلبي ومضاد بالنسبة للمصالح العليا العربية الحقيقية. فعندما يدعي أحد مسؤولي «س» أن تكتله يعمل على استتباب الأمن والاستقرار بالمنطقة، فإنه يعمل ذلك، في الواقع، بما يتوافق ومصالحه ومراميه هو، متغيرة التفاصيل، ثابتة الأهداف تقريباً. وكثيراً ما يكون ما يعمله عاملاً يزعزع الأمن، ويضرّ بمصالح آخرين، ويهز الاستقرار الإقليمي لاحقاً.
سيادة (قانون الغاب) هو، في واقع الأمر، ديدن العلاقات الدولية، عبر العصور (الأقوى يسيطر على الأضعف)، وإن كان هذا العصر قد بدأ يخفف قليلاً من (غابية) هذه العلاقات.. ويدفعها أكثر نحو التعاون، ومراعاة الحاجات الإنسانية. فالعلاقات الدولية هي دائماً مزيج من (التعاون) و(الصراع). وبالإمكان شدها نحو التعاون بالسياسات الحكيمة، وبالتأكيد على مراعاة الاعتبارات الإنسانية، وخدمة المصالح المشتركة. وهذا ما بدأ يتبلور على استحياء منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. ومع ذلك، فإن التكتل «س» خاصة يزداد شراسة، وعنفاً، مع مرور الزمن.
معظم ما يحدث بالمنطقة من نزاعات وحروب، وحروب بالوكالة، ما هي إلا من المعارك الدائرة ضمن الحرب الشعواء التي يشنها «س» ضد «ص»، الذي ما زال في موقف المدافع. وهذا العدوان، أو التسلط، يمكن أن يرى بالعين المجردة، وأحياناً لا بد من «مايكروسكوب» مكبر لرؤيته. ولكنه -في كل الأحوال- عدوان مرئي ومسموع ومقروء، في أغلب حالاته.
****
إن من مصلحة العرب كأمة، وكل الدول النامية التي كانت متضررة من النظام العالمي السابق، (نظام القطبية الأحادية/ أمريكا) تحول المنتظم الدولي إلى نظام التعدد القطبي (أمريكا، الصين، روسيا)... ذلك يمكن أن يسهل التحلل من هيمنة الأقطاب المعادية، عبر إمكانية الاستعانة الحذرة بالأقطاب الأخرى، في التصدي للمعادين. ما زالت «ص» جبهة مقاومة، متواضعة الإمكانات. عدوان «س» هو الذي أوجد «ص». نعم، هناك رفض للهيمنة، ومقاومة للظلم، يتمثل في «ص». ولكنها ما تزال مقاومة باهتة.
والعالم الآن متعدد القطبية، شاءت أمريكا، أم أبت. وقد يتساءل البعض: هل الميل التام لتكتل بعينه سيجدي، في حفظ الأمن والمصالح؟! الجواب هو بالنفي، في أغلب الأحوال. الحياد الإيجابي المدروس هو الطريق الأفضل في أغلب الحالات بالمنطقة. والثابت أن انفراد أمريكا، وأنصارها وأدواتها (وخاصة إسرائيل)، تماماً بالساحة، لم يكن لصالح العرب، بالطبع، بل ضد مصالحهم العليا. ولا شك، أن وجود تكتل منافس سيحد من توغل أمريكا السلبي، إن عرف العرب كيف يستفيدون من النظام العالمي الجديد.
****
الصين لم تجرب بعد. ولكن، أمامها عالم لتكسب ثقته، ووده، وترحيبه، إن هي اتبعت سياسات عادلة، ونزيهة تجاه المنطقة، وغيرها... سياسات معاكسة للسياسات الغربية الأمريكية نحو المنطقة، التي اتسمت، في العقود السبعة الماضية، بسمات، أقل ما يقال عنها إنها «عدائية» للعرب، رغم أن أمريكا، باعتبارها صاحبة أكبر (نفوذ) عالمي، كانت تستطيع عمل الكثير والكثير لصالح الأمن والسلم الدوليين والإقليميين، خاصة لو اتبعـت مبـدأ «الكل يربح»، لا مبدأ «لأربح، وليخسر الآخرون». ونذكر، مرة أخرى، بأهم سمات سياسة أمريكا نحو المنطقة العربية بخاصة، ومنها:
- التدخلات لحل أغلب مشاكل المنطقة لا تسفر عن حلها، بل تفاقمها. فأمريكا عندما تتدخل في أي أزمة لا تسعى لحلها، بل لاستخدامها لما يخدم المصلحة الأمريكية (الأنانية والانتهازية)!
- الادعاء بحماية مبادئ الحرية والعدالة والمساواة والديمقراطية، رغم سعيها لضرب هذه المبادئ بالمنطقة، صراحة وضمناً.
- التقلب في المواقف. فما هو صحيح اليوم، يصبح خطأ غداً.
- كثيراً ما يتم ضرب الأطراف ببعضها، فيحدث التصعيد.
ولكن أكبر (وأسوأ) ما يلاحظ على السياسة الأمريكية تجاه المنطقة العربية بخاصة، هو انحيازها التام لإسرائيل.. هذا الكيان الإرهابي، الذي يرتكب إحدى أكبر جرائم العصر، باحتلال فلسطين، والتنكيل بشعبها. حيث تهدف أمريكا لتحقيق أهداف إسرائيل أولاً.. حتى وإن تناقضت مع مصلحة أمريكا نفسها. وأمريكا تستخدم هذا الكيان، كقاعدة معادية متقدمة، هدفها تحقيق المطامع الصهيونية، وأهداف أسياد إسرائيل، في باريس ولندن وواشنطن. لذلك، فإن معظم ما يحدث بالمنطقة العربية هو ما تريده إسرائيل، وتخطط لحصوله، ويصب لصالحها، دون اعتبار للحقوق العربية والفلسطينية، ولمنطق الحق والإنسانية، والقانون. والسؤال هنا: هل يمكن للصين أن تساعد العرب على تلافي هذه السلبيات، أو التخفيف من أضرارها، سيما أنها تعاني من نفس الكأس، في عقر دارها (تايوان)، وكيف؟!