يقول بنيامين نتنياهو إن إسرائيل قادرة على الوصول إلى أي مكان في المنطقة، والوصول بمنطق نتنياهو يعني عملياً قذف أطنان القنابل التي تحيل كل شيء فوق الأرض المستهدفة إلى بقايا حياة سابقة وأحياء سابقين. قرابة عام وهي تمارس الإبادة في غزة دون توقف، ولكي يصبح ملف قضيتها ثانوياً ومنسياً، استدارت إسرائيل إلى لبنان وقررت استعراض قوتها، قصف جنوني عنيف على لبنان ما زال مستمراً، اصطياد كوادر حزب الله انتهاءً بالمفاجأة الكبرى بتصفية زعيم الحزب حسن نصرالله، عشرات آلاف النازحين من مدن وقرى الجنوب في رحلة تيه لا يعرفون متى تنتهي، ثم تأتي إيران في وقت حساس لتطلق مجموعة صواريخ على إسرائيل وهي في أشد درجات انفعالها، مجرد تسجيل موقف متأخر لم يسفر عن نتيجة مؤذية لإسرائيل، لكنه استفزها وجعل نتنياهو يؤكد بشكل علني أن إسرائيل ستقرر موعد وكيفية الرد على طهران، قد يكون الرد باستهداف مواقع جديدة لأذرع إيران الأخرى، لكن سيكون الأمر مختلفاً في خطورته لو ذهبت إسرائيل مباشرةً إلى إيران واستهدفت مواقع استراتيجية فيها، خصوصاً المنشآت النووية.
أمريكا ما زالت تعتبر إسرائيل في حالة دفاع عن نفسها، دعمتها كليّاً في اجتياح غزة بالعدة والعتاد والموقف السياسي، وأيدتها في القصف العنيف على لبنان، وأعلنت تضامنها معها في حق الرد على إيران؛ أي أنها بدلاً من أن تتصرف كدولة عظمى في المجتمع الدولي بإمكانها التدخل الفعال لتهدئة الأوضاع وعدم اتساع رقعة الحرب، فإنها تتعامل كطرف فيها، وهذا ما يجعل الأمور أكثر تعقيداً وقتامة.
يبدو أننا نعيش فعلاً بداية اليوم التالي، مصطلح كان ملتبساً لكن ملامحه بدأت تتضح الآن، وهو لا يعني شيئاً غير دخول المنطقة مرحلة غير مسبوقة في خطورتها. إسرائيل تريد تصفية ملفات مهما كلفها الأمر، وإيران لا تريد أن تتراجع عن استراتيجيتها بالتواجد في الداخل العربي عن طريق وكلائها بحجة الدفاع عن القضية الفلسطينية التي لم يفدها التدخل الإيراني سوى مزيد من الضرر. المواجهة المباشرة بين إسرائيل وإيران لو حدثت فإنها قد تشمل العراق وسوريا واليمن بحكم وجود الميليشيات الموالية لإيران، أما لبنان فقد أصبح في عين العاصفة، وغزة المدمرة تراجعت أهميتها بسبب المستجدات، رغم أن إسرائيل ما زالت تمارس فيها القتل والتدمير. إذا كانت هذه بداية اليوم التالي في المنطقة كما يبدو، فكيف ستكون نهايته إذا لم يتحرك العالم لتهدئة السير السريع باتجاه الهاوية.