في عام 1982 نشرت مقالة مهمة ومثيرة للجدل وقتها وذلك في مجلة كيفونيم العبرية، التي تعني اتجاهات، كان عنوان المقالة «إستراتيجية إسرائيل في الثمانينات»، المقالة كانت بقلم ايدود يينون وهو مستشار سابق لرئيس الوزراء الإسرائيلي الأسبق أرييل شارون ودبلوماسي سابق وكاتب في صحيفة الجيروساليم بوست.
وفحوى هذه المقالة أنه يجب قراءة المنطقة المحيطة بإسرائيل بدقة شديدة جداً، العالم لن يقبل بأي دولة تبنى على أساس عرقي وديني وبالتالي يجب تكرار النموذج الإسرائيلي في الشرق الأوسط وتشجيع البيئة المثالية لاستحداث دول جديدة بناءً على العرق والدين والطائفة والمذهب في محيط إسرائيل حتى لا تكون إسرائيل هي وحدها المعنية بنقد العالم المتوقع بسبب تبنيها لهذا النهج، مع ضرورة استغلال الفرص التي ستخلق جراء الفوضى المتوقعة لتوسيع حجم إسرائيل جغرافياً بأكبر قدر ممكن من المساحة في أراضٍ جديدة تارة بحجة الأمن الإسرائيلي وتارة بحجة أرض الميعاد التوراتية.
وتشمل هذه الخطة تفاصيل مفزعة تستحق أن يتم إعادة التذكير بها خصوصاً بعد تصريح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الذي قال فيه إنه «سيغير وجه الشرق الأوسط»، ولعل أهم تلك التفاصيل هي إعادة احتلال شبه جزيرة سيناء لمنع أي فرصة للاختراق الأمني وتهديد إسرائيل مجدداً، الضغط على سكان الضفة الغربية لأقصى درجة لإجبارهم بالقوة الجبرية إلى الأردن حتى يكون للأردن الحجة الديموغرافية القسرية بالاعتراف بأمر واقع جديد يفرض نفسه. أما لبنان فلا بد لإسرائيل أن تحتل منطقة آمنة تصل لنهر الليطاني لحماية المنطقة الشمالية من حدودها مع ضرورة أن يتم تقسيم لبنان إلى دولتين؛ الأولى مسيحية والثانية مسلمة. وسوريا هي الأخرى نالت نصيبها من الخطة التي اقترح فيها تقسيمها إلى أربع دول، درزية وعلوية ومسلمة ومسيحية. وأخيراً تضمنت الخطة العراق، وذلك بتقسيمه إلى دول للشيعة والسنة والأكراد والمسيحيين.
يجري الحديث في أوساط المواقع الإسرائيلية المعروفة بمواقفها المتطرفة صهيونياً على الإنترنت أن خطة يينون أعيد إحياؤها مجدداً، وأنها دخلت حيز التنفيذ عملياً، ويشيرون إلى موقف بنيامين نتنياهو المعلن وقت صدور المقال بإعجابه الشديد بها وثنائه عليها، ولا يخفون أيضاً مباركة موجوده ضمنياً من جو بايدن وكامالا هاريس اللذين يسمحان لنتنياهو بالاستمرار في منهجيته، وأضافوا أيضاً أن تصريح المرشح الرئاسي والرئيس السابق دونالد ترمب الذي قال فيه «إن حدود إسرائيل الحالية صغيرة ويجب العمل على توسيعها» هو بمثابة ضوء أخضر لإسرائيل للتوسع علماً بأن إسرائيل هي الدولة الوحيدة في الأمم المتحدة بلا حدود معترف بها دولياً. الأيام القادمة ستثبت لنا إذا ما كانت خطة يينون قد تم تفعيلها فعلاً مع ضرورة التذكير بأن هناك حملة ترويج عقاري باللغة العبرية انطلقت تسوق لخطط مستوطنات مستقبلية في غزة ولبنان تم الإعلان عنها بمسميات توراتية تاريخية. أعتقد أن ايدود يينون نفسه لم يكن يحلم بدموية الخطة كما هو حاصل الآن.