أبرز مؤشرات تعيين سفير للمملكة العربية السعودية في سورية، أن هذه العلاقات تسير بشكل تدريجي ملموس إلى مستويات متقدمة، في ظل التفاهمات المتزايدة بين الرياض ودمشق على حلول القضايا العالقة؛ سواء في سورية أو على المستوى الإقليمي، وهذا يحتاج إلى منظومة عربية متكاملة تعمل بشكل منسجم لمواجهة التحديات الإقليمية والمتغيرات الدولية التي فرضتها أخيراً الحرب الإسرائيلية على غزة.
إن الخط الناظم للعلاقات السعودية السورية هو البيان الصادر في 12 أبريل 2023 الذي سبق القمة العربية في جدة، وهو لا يزال الخط القائم للعلاقة السعودية السورية، ولعل أهم ما جاء في هذا البيان هو العمل بشكل مشترك للتوصل إلى حل سياسي للأزمة يحافظ على وحدة سورية وأمنها واستقرارها وهويتها العربية وسلامة أراضيها، بما يحقق الخير لشعبها الشقيق.
وأكد الجانبان على أهمية تعزيز الأمن ومكافحة الإرهاب بكافة أشكاله وتنظيماته، وتعزيز التعاون بشأن مكافحة تهريب المخدرات والاتجار بها، وعلى ضرورة دعم مؤسسات الدولة السورية، لبسط سيطرتها على أراضيها لإنهاء تواجد المليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري.
وهنا لا بد من التوقف أمام مسألتين رئيستين؛ الأولى وحدة الأراضي السورية بشكل كامل، وسيادة الدولة السورية والحفاظ على مؤسساتها، ولعل هذا مطلب سعودي وعربي وإقليمي بما يمكن بقاء الدولة على حساب الميلشيات.
وعلى الرغم من كل ما تعانيه سورية من هشاشة أمنية واجتماعية ومخلفات الحرب على مدى أكثر من 13عاماً، إلا أن ثمة تهديدات خطيرة تواجه سورية على المستوى الجيوسياسي والجغرافي، في ظل محاولة قوى الأمر الوقع فرض واقع جديد، وهذا ما حدث ويحدث في مناطق شمال شرقي البلاد، إذ دعت قوات سورية الديمقراطية (قسد) إلى انتخابات بلدية في المناطق التي تسيطر عليها على الرغم من أن هذه الانتخابات لا تحظى بتأييد العديد من التيارات في مناطق سيطرتها لأنها انتخابات محسومة سلفاً على حد وصف العديد من المراقبين في تلك المناطق، كما أن هذه الانتخابات تأتي في إطار التمهيد لعزل هذه المناطق الحيوية والإستراتيجية عن الجغرافية السورية ووضع أنظمة وقوانين منفردة لا تمثل كل السوريين، وهو مهما تعددت التسميات إلا أن التوصيف الحقيقي ما هو إلا شكل من أشكال التقسيم الذي يهدد وحدة سورية، ويخالف بشكل كامل بيانات الجامعة العربية التي تؤكد على وحدة أراضيها.
إن مثل هذه المحاولات من صناعة واقع جديد في شمال شرقي سورية، يمثل حالة جديدة وخطيرة في منطقة لا تزال تعاني من اضطرابات أمنية، ومحاولة ميليشيا إجراء انتخابات من شأنه أن يدفع أطرافاً أخرى إلى خطوات مماثلة، والحديث هنا عن زعيم تنظيم القاعدة الإرهابي أبو محمد الجولاني الذي جعل من إدلب نموذجاً خارجاً عن السياق السوري من خلال ما يسمى (حكومة الإنقاذ)، إذا نحن أمام واقع خطير على سورية، ينسف القرار 2254 الذي يدعو إلى حل سياسي يرتكز على وحدة سورية بين السوريين دون محاولة طرف فرض أمر واقع على أي طرف آخر.
إن وحدة سورية على الرغم من الواقع المأساوي هو آخر ما تبقى من شكلها وجوهرها العربي، وأية محاولات للتقسيم أو فرض معطيات تقود إلى التقسيم، ستكون له عواقب كبيرة على المستوى السوري والإقليمي، وهو ضد كل القرارات الدولية؛ سواء على مستوى مجلس الأمن أو على مستوى الموقف العربي الرافض قطعاً لأي محاولات للتقسيم.
وفي الوقت الذي تسعى فيه بعض الأطراف إلى حل سياسي، على الرغم من الكثير من المعوقات، تأتي مسألة إعلان الانتخابات في شمال شرقي سورية بمثابة ضربة لكل الجهود السياسية وتهديد لسورية التاريخية الطبيعية، وفي الوقت ذاته تعتبر مثل هذه الإجراءات الانفرادية تغريداً خارج السرب السوري الذي لا يحتاج إلى مزيد من التشتت والإرباك.